تختزل حياتنا قراراتٌ مصيرية تحدد مآل مستقبلنا القادم، كالدراسة، والمهنة، ومجال التخصص الدقيق، ولعلّ من أهم المحطات التي تختزلها قراراتٌ مصيرية في حياة الفرد هي المحطة التي يتوقف فيها المرء لاختيار شريك حياته ليستقر معه إلى أن يشاء الله من عمرٍ طويل.
ولا تؤثر رغبات الفرد وقراراته على هذه المحطة فقط، بل حتى رغبات العائلة والمحيط التي من شأنها أحيانًا أن تعيق من دراسة هذا المشروع بدقة وعناية، فقد يُبنى القرار على أسس غير منطقية للفرد وغير مرضية في الوقت ذاته؛ ولكنه يكمل هذا المسير لشحّ الخيارات ولممارسة الضغوطات الخارجية عليه، مما يضطره إلى التنازل عن حقٍّ من حقوقه، أو كاملها.
قبل بدء مشروع الارتباط لابد أن يبتعد المرء في اختياره لشريك حياته عن ثلاثة أمور:
- العواطف
- تأثير الآخرين
- التوقعات غير الواقعية
فمرحلة الاختيار يجب أن تتضمن وعيًا كافيًا عن الشريك، وهذا ما يجب أن تتفهمه العائلة في المقام الأول، حيث يجب أن تضمن لأبنائها مناخًا مناسبًا للتعرف على خصال الآخر في حدود الدين المسموحة، وهنا تتبين لنا سماحة الإسلام في تشريعه للنظرة الشرعية، لكي يتسنى لكلا الطرفين دراسة مدى التناسب والتوافق فيما بينهما. وقد نرى أحيانًا أن مسألة الاختيار مسألة شعورية وحسية، حيث ومع بلوغ الكمال في مدى توافق الصفات لما يرغب به المرء، فقد لا يشعر أحد الأطراف بالجاذبية والراحة وهذا قد يؤثر على قراره.
ومن المهم كذلك أن يحدد كلا الطرفين ما يرغب به في شريكه بدقة، ودراسة ما إذا كان بالإمكان التنازل عما هو ثانوي في سبيل الأساسيات المرغوبة مثل التفكير وأسلوب العيش.
فالوضوح مهمٌ جدًا في هذه المرحلة بعيدًا عن تدخلات العائلة التي قد تكون أحيانًا غير منطقية بالنسبة لنا، فقرار الاختيار يجب أن تحدده العقلانية والمنطقية وليست العاطفة.
من المهم جدًا أن نعرف الفرق ما بين أطباع المرء وسلوكياته، فما قد يعجبنا أو لا يعجبنا في أحدهم إما أن يكون طبعًا متأصلًا من الصعب تغييره، أو سلوكًا عابرًا يمكن تلاشيه مع الزمن.
ولكنّ هذا الاحتمال يدخل في الممكنات فنحن في الحقيقة لا نعرف أصل صفات المرء وطباعه وسلوكياته، فحينما لا تعجبنا صفةٌ ما لا يمكننا أن نفترض بأن الآخر سيتفاداها بسهولة أو يتخلى عنها وإن وعدنا بذلك، وحينما ندخل في الممكنات يجب أن نضع في اعتبارنا الاحتمال الأسوأ، فمن الممكن أن يتغير المرء ومن الممكن ألا يتغير. فلا توجد دراسة حقيقية لقرارٍ ما دون مراعاة مخاطِره وأخذها بعين الاعتبار والاستعداد لها، فالاستعداد لها يجعل القرار النهائي قويًا ومنطقيًا، أما غير ذلك فهو كلام غير عقلاني لأن هذا ليس تشاؤمًا، ولكنه استعداد، حيث يقول تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} .
حينما تهمُّ في عملية اتخاذ القرار لابد أن تضع في ذهنك عدة معايير مهمة:
أولًا: عليك أن تحدّد ما الذي تريده بشكلٍ مفصل، كالمواصفات التي لا يمكنك أن تتنازل عنها في شريك حياتك، كما يجب عليك في المقابل أن تحدد الصفات التي تودُّ أن يمتلكها، فعند الإقدام لابد أن تدرس المواصفات في حال توافقها من عدمه، وفي حال عدم التوافق عليك أن تقدر معاييرك ومواصفاتك، دون التفكير سلفًا في التغيير من الشخص أو أحد صفاته.
ثانيًا: لا تعش على التوقعات، ولا تجعل للآخرين تأثيرًا على قراراتك الحاسمة، فقد يتعاطف البعض مع المباهج والشكليات المقدمة مقابل عدم اقتناعه في اختياره، ولكن هذا لا يجدي نفعًا في الحياة الزوجية القادمة. وعليك أن تتذكر بأنّ "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"، وهذا يعني بأن عليك إعطاء مشاعرك الداخلية مساحةً للتعبير والحكم والارتياح للطرف الآخر من خلال النظرة الشرعية، ومن هذا المنطلق من المعيب أن يجبر الفتى أو الفتاة على الاختيار في حالة عدم قبوله شعوريًا للطرف الآخر.
ثالثًا: ادرُس اختيارك بدقة وبشكلٍ صحيح، حتى لا يؤدي ذلك إلى الطلاق مستقبلًا، ولا تجعل العلاقات القريبة تؤثر في مشروع زواجك المقبل، وتذكر بأنّك غدًا ستصبح أبًا كذلك ويجب عليك أن تتأكد من اختيارات أبنائك وتدرسها معهم بوعي، وحينما تكون أسباب عدم القبول لديهم جذرية وحقيقية يجب عليك تفهمهم وتقبل خياراتهم.
رابعًا: تذكّر بأن "العاقل من جمع عقول الناس إلى عقله"، وهذا يعني أنه من الجميل أن تستأنس بآراء الآخرين من منطلق توسيع إدراكك،وليس من منطلق الإكراه وفرض الرأي عليك.
إن للاختيار موازينٌ وأساسيات يجب وضعها في عين الاعتبار، فلابد أن تعرف ما الذي تريده وماهي أولوياتك؟ من خلال استفادتك من خبرات المختصين وهذا ما تساعدك عليه دورة الاختيار الزواجي للأستاذ علي العباد، كل ما عليك هو زيارة موقعه الإلكتروني والتزود بكل ما هو مفيد.